منطقة املشيل: طبيعة جبلية خلابة وثراء ثقافي وتجذر في التاريخ
استقرت قبائل أيت حديدو ، في القرن 17 على عهد السلطان المولى اسماعيل، بالجبال العليا قرب أسيف ملول على ارتفاع 200 م أتوا مهاجرين ولغتهم تمازيغت. ومن الخاصيات التي تميز هذه القبائل أنها احتفظت بسماتها إلى وقتنا الحاضر. وهي قبائل تعتمد على الرعي، ويمتد موطنها عبـر مساحات شاسعة. وتعرف المنطقة بوعورة مسالكها الجبلية ويعتمد سكانها على الزراعة وتربية المواشي. وأكثر ما اشتهرت به المنطقة موسم الخطوبة الذي جاء تتويجا لتحرر شباب هذه القبائل من كل ما من شأنه التضييق على حرية اختيار شريك الحياة.
تنتمي قبائل أيت حديدو إلى اتحاد قبلي يدعى "أيت يافلمان" ومعناها أصحاب الأمان وقد تأسس حلف أيت يافلمان في القرن السادس عشر وأغلب الظن أنه عقد بعد مجاعة ( 1521 -1522 ) . يضم هذا التحالف : أيت حديدو، أيت مرغاد، أيت زدك، وعرب بني معقل. ويذكر أن هذا التحالف صمد كثيرا أمام الدهر ولم يتشتت عمليا حتى فرضت القوات الفرنسية سيطرتها على كل الأطلس الكبير الشرقي بعد معركة أيت يعقوب سنة 1929 م. وهذا التحالف يعد تحالفا بالدم يتم فيه جمع عام بين زعماء القبائل يختار هؤلاء ذبيحة مشتركة ( مثلا ناقة) بمساهمة كل القبائل المتعاقدة وتذبح في مشهد جماعي ويحتفظ بدمها الذي سال منها أثناء الذبح في قصعة ثم توضع فيه أيدي الزعماء المتعاقدين الذين اختارتهم قبائلهم لتمثيلها في هذا التعاقد. ومجتمع أيت حديدو يعتمد أساسا على التكافل والتعاون لمواجهة قساوة الظروف الطبيعية. ويسكن هؤلاء بيوتا من طين تجمع في شكل قصور تعرف بـ " إغرمان " تحيط بها أسوار كما تعتبر بواباتها ( أي القصور) ( فضاءات للتجمع بين السكان لمناقشة القضايا المحلية ودراسة شأن الساكنة وذلك في أوقات الفراغ كما نجد داخل تلك القصور قاعة لاستقبال الضيوف وتسمى باللهجة المحلية بـ " تانصريت ". وأما موارد السكان فتبقى جد متواضعة تكاد لا تلبي الحاجيات الضرورية. ويلبس نساء قبائل أيت حديدو الحندرات وهي عبارة عن معاطف زرقاء اللون موشحة بخطوط بيضاء، أما المتزوجات والأرامل فيمكن أن يضعن على رؤوسهن ( أكليروس) وهو عبارة عن قلنسوة ويسمى محليا " أقيوع أو أقيوح" . وقد زعزعت مقاومة أيت حديدو الكيان الفرنسي وطرحت قضية تلك المعارك في البرلمان الفرنسي. وحسب الرواية الشفوية، كانت قبائل أيت حديدو من أشد القبائل في معارك "تزكزاوت" ، ولهذه المعارك مجد عظيم في تلك المنطقة. فقد شاركت إلى جانب أيت حديدو قبائل منها أيت سخمان وأيت يحيى وقبائل زيان، بحيث التف هؤلاء حول قائد المقاومة المكي أمهاوش الذي عرف بعدائه للإستعمار، وقد أظهروا جميعهم مدى حبهم للوطن وواجهوا المستعمر باستماتة لا مثيل لها وكبدوه خسائر مادية مهمة. مفهوم "إمي" في اللغة الأمازيغية هو الفم أما "شيل" فتعني المكان أو شراء الحبوب وتركيب الكلمتين إملشيل هو شراء ما يحتاج إليه المرء من الحبوب أو الفضاء الذي تباع وتشترى فيه الحبوب وتستقر فيه القبائل الأطلسية وليس القبائل السوسية . ويذكر أن الميتولوجيا ذائعة الصيت (إسلي وتسليت - إزلي وتزليت) أي العريس والعروس، وهما الآن تسمية لبحيرتين متجاورتين قرب إملشيل، من الناحية الطوبوغرافية بحيرة إيسلي جزء من المجال يتبع لقبيلة أيت ابراهيم تقع على ارتفاع 2270 مترا، وهي بحيرة مغلقة تحيط بها مراعي خصبة. أما بحيرة تسليت فهي جزء من المجال التابع لقبيلة أيت يعزى تقع على ارتفاع 2250 مترا وهي بحيرة مفتوحة تقذف مياهها في واد أسيف ملول. يلاحظ كذلك أن التوزيع القبلي لمراعي تسليت التابعة لأيت يعزى ومراعي إيسلي التابعة لقبيلة أيت ابراهيم يثبت أن التعامل بين القبيلتين محدود للغاية، وبالتالي فالزواج العشائري في حاجة إلى مراجعة والعشق بين الفتى والفتاة هي النقطة التي أفاضت الكأس وجعلت التعامل بين القبيلتين شبه مستحيل. إذ روي أن إسلي الذي ينتمي إلى أيت ابراهيم أغرم بـ "تيسليت"، وهي من قبيلة أيت يعزى. وساد بينهما حب هيامي تميز بالتوهج وسخونة العواطف وتفجر الأحاسيس الطيبة والخيرة والنبيلة. ففي إملشيل هناك في أعالي الجبال تناقل الرواة والمطربون قصة غرام الشابين عبر قبائل أيت حديدو مما أثار حفيظة أسرة الفتاة التي امتنعت عن تزويج ابنتها للشاب الذي أحبته، فلزم كل واحد منهما مكانا بعيدا عن القبيلة وذرف دموع الفراق إلى أن أمتلأت البحيرتان بدموعهما وسميتا باسمهما ! وانطلاقا من هذه الأسطورة أصبحت قبائل أيت حديدو تتراجع فيما بعد وتترك لأبنائها حرية اختيار زوجاتهم دون أي إكراه أو إرغام وموسم الخطوبة إملشيل وهو تتويج لتحرر هذه القبائل من كل ما من شأنه التضييق على حرية اختيار شريك الحياة. وأما بالنسبة لمراسيم الزواج فتتفتح عندما يتجه مبعوثو العريس ويسمون محليا " إمسناين" ، وعددهم عشرة (خمس نساء وخمس رجال)، في اليوم الأول يتجه هؤلاء نحو منزل العروس ليقدموا لها الهدايا التي تكون عادة عبارة عن كبش وملابس وأبادير ( أبادير عبارة عن رغيف يصل قطره إلى متر ويتكون من 25 كلغ من طحين القمح 10 لترات من الماء إضافة إلى 20 من الملح ويصنع عادة من طرف الرجال حيث يقومون بطهيه حسب الطريقة التقليدية ويمكن أن يطعم ما يقرب من 40 شخصا). ويوزع الرغيف على الحاضرين كرمز للتعارف والمودة ويتقاسمه أهل العروسين، كما تقدم مختلف الأطعمة لهؤلاء الضيوف من قبل أهل العروس وتتكون تلك الأطعمة حسب العادات والتقاليد من أربعة أطباق: الثمر والسمن والعسل ثم الحليب كرمز للترحيب بهم، إضافة إلى وجبات أخرى وبعد أن يستريح الجميع يؤتي بالعروس إلى ميدان حفلة الحناء وخلال هذه المراسيم تشرع النسوة في ترديد الأغاني والأشعار الأمازيغية المحلية إلى جانب الرجال في رقصة أحيدوس الشهيرة. ونشير إلى أن امرأة مسنة هي التي تقوم بتزيين أيدي العروس بالحناء مستعملة الصوف ويسمى " إزلومن" وتلبس العروس لباسا أبيض يسمى أقيدور إضافة إلى سبنية من الحرير ذات لون أحمر أو أصفر وتسمى محليا "أُبويْ" وبعد ذلك تجهز العروس بإزار يتم التحكم في وضعه بواسطة ما يسمى "يسغناسين" إضافة إلى حلي يتكون من قلائد لوبان أصفر وبلغة مزينة بالموزون من الفضة الثقيلة أو "تيكوربيين" كما يغطى وجهها بغطاء يطلق عليه "أعبروق" وعندما تهم العروس بالخروج من بيت أهلها يقوم والدها بوضع برنسه "أزنار" تحت رجليها لتمشي فوقه . وحسب العادات والتقاليد يرمز هذا التقليد إلى مباركة الأب زواج ابنته وتقوم النساء بترديد موالات خاصة بخروج العروس من منزل أهلها وعندما تتجه إلى منزلها يحيط بها الشباب الأشداء من أبناء عائلتها وأبناء عمومتها. يتسلح هؤلاء بجريد من النخيل وهي متجهة إلى بيتها الجديد ممتطية جوادا وراءها طفل صغير وهذا الأخير يرمز إلى تمنياتها بالبنين والعيش الكريم إضافة إلى وضع خروف صغير أمامها ويرمز إلى تمنياتها بالثراء، كما تصطحب معها الهدايا التي قدمت لها أثناء حفلة الحناء. ويأتي العريس في أزهى زي تقليدي" برنس وجلباب أبيض وعمامة وبلغة بيضاء" ويمسك بلجام الجواد الذي تمتطيه عروسه وينهال عليه أبناء عمومتها وإخوتها بالضرب الذي يوجع أحيانا وهذا رمز يدخل في مدى تحمل العريس المشاق ومدى قدرته على حماية عروسه وتعد هذه اللوحة الرائعة صورة تؤكد مدى تضحية العريس وشجاعته ونكران الذات والعناء للفوز بمن يحب. وبعد ذلك يتوجه الجميع إلى منزل العريس ويرحب بمقدمهم ثم يتوج بيت الزوجين بإيقاعات أحيدوس وقبل أن تدخل العروس إلى بيتها الجديد تقوم برش الحضور بالحليب وفي الصباح الباكر تستحم العروس بماء بحيرة إيسلي لتدوم المحبة بين الطرفين.
منقول
تعليقات
إرسال تعليق