ثورة الأمازيغ .. يوم حارب المغاربيون الدولة الأموية
حسب استاد التاريخ بجامعة جيجل شرق الجزائر
محمد نوبلي
من المحطات التاريخية الهامة في علاقة المغاربيين بالدولة الإسلامية في المشرق، ثورة الأمازيغ على الأمويين، التي دارت رحاها سنة 740 ميلادية، واستمرت شرارتها حتى سنة 743.
كان الأمويون في تلك الفترة (662 - 750 ميلادية)، هم المتحكمون في زمام أمور الحكم بالمناطق المسلمة، تحت حكم هشام بن عبد الملك.
"أغليذ".. المخلّص
تشير المراجع التاريخية إلى أن الثورة التي قادها ميسرة المدغري، المتحدر من قبيلة مدغرة أو مطغرة، وهي فرع من قبيلة مكناسة، إحدى قبائل زناتة بالمغرب الأقصى، اندلعت سنة 740، قبل أن تنتشر في باقي مناطق الشمال الأفريقي، بل وحتى في اتجاه الأندلس.
لما لمس الأمازيغ تمييزا في تعامل الدولة الأموية بين العرب بالمشرق والأمازيغ بشمال أفريقيا، قرروا انتهاج سبيل الحوار والتقرب من الخليفة هشام بن عبد الملك.
كانت تلك بداية الطلاق السياسي بين المغرب الكبير والمشرق
لذلك شدوا الرحال نحو الشام للقاء الملك، لكنهم منعوا من طرف الأبرش الكلابي، وزير بن عبد الملك، وكانت تلك الحادثة نقطة بداية ثورة أمازيغ شمال أفريقيا على الدولة الأموية، بل نقطة الفصل بين المغرب الأقصى، وأي ولاية إسلامية أخرى.
عند عودته إلى المغرب، قرر المطغري، أو المدغري، فيروايات أخرى، تشكيل جيش أمازيغي وتنظيم عصيان شامل ضد الوالي، الذي نصبه هشام بن عبد الملك على طنجة، ولما حاول الأخير إحكام قبضته على الأمازيغ قتلوه.
كانت تلك بداية الطلاق السياسي بين المغرب الكبير والمشرق، حسب أستاذ التاريخ بجامعة جيجل، شرق الجزائر، محمد نوبلي.
دهاء حربي
رد الخليفة الأموي على إعلان الثورة الأمازيغية، وأرسل 12 ألف جندي لطنجة من أجل إعادة إحكام قبضة الدولة الأموية هناك.
يقول ابن خلدون في كتابه "العبر": "بلغ الخبر بذلك إلى هشام بن عبد الملك فسرح كلثوم بن عياض في اثني عشر ألفاً من جنود الشام وولاّه على إفريقية".
ثم يتابع ابن خلدون واصفا تلك الأحداث التاريخية بدقة: "زحف كلثوم إلى البربر سنة 123 للهجرة، حتى انتهت مقدمته إلى وادي سبو من أعمال طنجة، فلقيه البربر هنالك مع ميسرة، وقد فحصوا عن أوساط رؤوسهم ونادوا بشعار".
ابن خلدون أيضا يصف كواليس المعركة بدقة قائلا: "كان ذكاؤهم (أي الثوار الأمازيغ) في لقائهم إياه أن ملؤوا الشنان بالحجارة وربطوها بأذناب الخيل تنادي بها، فتقعقع الحجارة في شنانها، ومرت بمصاف العساكر من العرب، فنفرت خيولهم واختل مصافهم وانجرت عليهم الهزيمة، فافترقوا وذهب بلج مع الطلائع من أهل الشام إلى سبتة. ورجع إلى القيروان أهل مصر وأفريقية وظهرت الخوارج في كل جهة واقتطع المغرب عن طاعة الخلفاء".
احتجاج ومطالب
في نظر أستاذ التاريخ بجامعة جيجل بالجزائر، محمد نوبلي، فإن الأسباب الحقيقية وراء سفر ممثلين عن أمازيغ الشمال الأفريقي، للقاء الخليفة، كان "التمييز العنصري الممارس عليهم من طرف الوالي، خصوصا ما تعلق بالخراج الذي يجمعه والي طنجة لصالح الخزينة المركزية بالشام".
"كانت مطالبهم مشروعة، ولم تكن لهم أية نية في الثورة من أجل الاستقلال، التاريخ يعيد نفسه، إنه الاستبداد الذي يولّد الثورة"، يقول نوبلي.
ويذكر أستاذ التاريخ أن أغلب الأمازيغ دخلوا في الإسلام، وأصبحوا يشاركون في المعارك ضمن الجيوش المسلمة، إلا أن علاقتهم بالشام لم تهدأ، وظلت متوترة في أكثر الأوقات، بسبب سياسة الولاة الأمويين.
رغم ذلك، ظلوا، كما ينقل الطبري في تاريخه، "من أسمع أهل البلدان وأطوعهم"، في إشارة منه إلى ولاء الأمازيغ القدامى للدولة المركزية.
كما يلفت نوبلي، من جهة أخرى، الانتباه إلى حنكة الزعيم الأمازيغي، ميسرة المطغري، "الذي أرجع للقبائل الأمازيغية هيبتها، حتى انطلقوا أحرارا من استبداد ولاة الدولة الأموية".
"لم يكتب للمطغري أن يرى ثمرة ثورته، لأنه قتل من طرف أصحابه الذين ظنوا فيه السوء والطمع في الخلافة"، يقول نوبلي.
دروس الحرب والولاء
من جانبه، يرى الكاتب المغربي والناشط الأمازيغي، أحمد الدغرني، أن "أغليذ" (أي شيخ القبيلة)، ميسرة المطغري، أعطى دروسا في الانتماء، في حياته وبعد موته، إذ أثبت أن ولاء الأمازيغ للدولة لا يمكن أن يطعن فيه، لكنه أثبت، من ناحية أخرى، أن "الرجل الحر أو الأمازيغي، لا يمكن أن تلوى رقبته، بحجة الانصياع".
ولاء الأمازيغ للدولة لا يمكن أن يطعن فيه
"لقد كانت ثورة أجدادنا دليلا دامغا على إذعان الأمازيغ للدولة، وتمسكهم بحريتهم الكاملة، ورفضهم كل أشكال الاستبداد"، يضيف الدغرني
ويؤكد المتحدث نفسه أن أبرز مثال على حرب الأمازيغ على الانتماء هو تمسكهم بالدول لسنين، ثم محاولتهم التواصل لرفع تظلمهم، ثم الحنكة الحربية التي أبانوا عنها خلال المعارك على مدى ثلاث سنوات.
ويختم الدغرني كلامه بالقول: "لن تستطيع أن تطعن في ولائهم، كما لا يمكن أن تلومهم على ثورتهم ضد دولة أظهرت محدودية في التسيير، والدليل سقوطها بعد ذلك بشهور معدودة، على يد الدولة العباسية"
تعليقات
إرسال تعليق